موارد بشرية

الثورة الصناعية: أكثر الثورات نجاحًا في التاريخ

الثورة الصناعية: أكثر الثورات نجاحًا في التاريخ

منذ فجر التاريخ، شهد العالم ولا يزال يشهد تقلبات مفاجئة على جميع الميادين. إنها الثورات، بعضها يفشل، والبعض ينجح نسبيًا، وقليلة هي تلك التي تساهم في تغيير العالم.

مدى نجاح الثورات، غالبًا، رهين بمدى تحقيقها لغاية وقوعها. وبناءً على هذا المعيار نجد أن الثورة الصناعية هي الثورة الأكثر نجاحا بلا منازع.

الدراسة والعلم في متناول يدك؟ أُشكرْ الثورة الصناعية. هل بمنزلك كهرباء؟ اشكرْ الثورة الصناعية. تعيش في مكان غير ضيعة نائية؟ أشكرْ الثورة الصناعية. تملك سيارة؟ أشكرْ الثورة الصناعية. واللائحة طويلة جدا.

باختصار، هذه الثورة كانت ارتفاعا كبيرا وسريعا في مردود الإنتاج وتنوعه وتطوره – في جميع الميادين – وذلك بفضل الآلات الحديثة أنداك، واعتمادا على مصادر جديدة للطاقة.

كيف بدأت الثورة الصناعية ؟

بدأت الثورة الصناعية سنة 1760 وسرعان ما انتشرت في كل أرجاء العالم، لكن بدايتها كانت من أوروبا، وتحديدا من بريطانيا.

ولكن ما الذي حدث بالضبط؟

 حسب معظم المؤرخين، ظهرت الثورة الصناعية باختراع الآلة البخارية. لكن في الواقع، لم يكن الأمر بهذه البساطة.

في مصانع النسيج، مثلا، أدى اختراع المكوك الطائر إلى تسريع الإنتاج، الذي أدى بدوره إلى زيادة الطلب على الخيط وهو الأمر الذي جعل جايمس هارغريفز يخترع محرك الغزل، هذه الآلة ومعظم الآلات الأخرى كانت تعمل بطاقة التيارات المائية وهذا ما أدى إلى وصول الاختراع المنتظر: الآلة البخارية.

الآلة البخارية جعلت المكوك الطائر.. يطير.

من جهة أخرى، نجد مثلا أن البريطانيين بدأوا في استعمال، ولأول مرة، المواد الكيميائية لتنظيف وتبييض ملابسهم. ومن أهم هذه المواد، حمض الكبريتيك، والذي أنتج بكميات ضخمة بفضل طريقة القيعان الرصاصية، والتي لم تكن لتَرَ النور لولا تطور إنتاج الرصاص في بريطانيا بفضل المناجم القائمة على الفحم. المشكلة إذن أنه كلما ظننت أنك وصلت إلى المصدر الأساسي للثورة، تكتشف أن هناك مصدرًا لهذا المصدر.

لماذا بريطانيا؟

بعد أن تعرفنا على أسباب الثورة السؤال الذي ستطرحه هو: بما أن سلسة من الأسباب المترابطة هي ما سببت هذه الثورة، فلماذا أوروبا، ولماذا بريطانيا بالضبط؟

بكل بساطة لأن أوروبا كانت هي الأقوى آنذاك، حيث انتصرت الدول الامبريالية في حروب عظمى وحفظت في الوقت نفسه أراضيها من خراب الحرب، فظفرت بمستعمرات وفرت لها المواد الخام والأسواق الكافية لبيع مصنوعاتها، لكن ما ميز بريطانيا هو حكومتها الحساسة لمصالح التجارة، والتي تنبأت بأن السبق في الثورة الصناعية سيحقق لإنجلترا الزعامة.

والنتيجة؟

النتيجة أنه، بطريقة أو بأخرى، كل دول العالم تأثرت بالثورة الصناعية، لكن بصفة عامة تجلت نتائج هذه الثورة في عدة نقاط أساسية أهمها الميكنة. لا إضرابات، لا مطالبات بالزيادة في الأجور التي هي بالأساس منعدمة، لا تأمين عن حوادث شغل، إنها الآلة، عقدة العمال الأبدية.

“صنع آلات جديدة يعني تسريح عمال أكثر”

إضافة إلى الميكنة، أعادت الثورة الصناعية رسم خريطة العالم لصالح الدول الأوروبية وخصوصا بريطانيا. ثم لا ننسى بداية ظهور الآلات الحربية الجديدة، وتحديث القديمة منها، عندئذ تسابقت كل الدول لتصبح قادرة على تدمير جاراتها بأبشع الطرق الممكنة. وهو ما أدوا وأدينا ونؤدي ثمنه غاليا.

 باختصار، كل شيء جاء بعد الثورة الصناعية هو وليد لها، جيدا كان أم سيئا.

لماذا نجحت؟

نأتي الآن للسؤال الأهم، وهو لماذا نجحت هذه الثورة في حين فشلِ ثورات أخرى؟

باختصار، لأن كل ما تطلبته الثورة الصناعية كان متوفرا آنذاك. أولا: العلم، القرن 18 كان قفزة صاروخية على مستوى العلوم، بشتى أنواعها، في أوروبا. اعتمادا على علوم من سبقوهم، ومنذ القرن 14 تطور الأوروبيون بشكل لا يصدق، وبحلول القرن 17 وصلوا إلى مستوى علمي لم يصله أحد قبلهم، وبذلك وجدت الثورة الصناعية، التي تغذت بشكل رئيسي على العلوم، ظروفا مثالية لتنجح… ثانيا: الموارد، كما أشرنا سابقا، لعبت المستعمرات دورا كبيرا في توفير متطلبات الثورة سواء من المعادن ومصادر الطاقة، وهذان الموردان هما ما يسر عملية الميكنة أم من موارد بشرية