تقاليع تسويقية: اطرد موظفيك وسوق لنفسك بمؤيديك
هدِّئ من روعك، واطمَئِن تمامًا … ليست عبارة المخبول دونالد ترامب، والتي كان يقولها بتلذُذ شديد أثناء تقديمه لفقرات برنامج تلفزيون الواقع الشهير The Apprentice، طوال 15 موسم، هي عُمر البرنامج.
“أنت مطرود” إنّها تلك العبارة الصادمة المُخيفة، التي يخشاها أي موظف على ظهر كوكب الأرض؛ لما تنذر به من حتمية مروره بأوقات عصيبة عقب فصله من العمل.
ولكن يبدو أنّها لم تعد كذلك على الإطلاق، بعدما أصبحت تقليعةً تسويقيةً، وطريقةً غير تقليدية لتحفيز الموظفين، وتعزيز العلامة التجارية للمشروعات الناشئة والشركات الصغيرة!
لا تندهش أرجوك. فالسر هُنا يكمُن في الاختلاف، والتفكير خارج الصندوق، أو لنقُل التسويق على الطريقة الحديثة.
فخلال الأيام القليلة الماضية، وفي واقعة تُعد الأولى من نوعها، قامت موظفة بإحدى شركات التسويق الرقمي المصرية، بنشر صورة على صفحتها على فيسبوك، لخطاب فصلها من العمل. ليس لشيء سوى التزامها وتفانيها في مهام العمل، مما جعل التدوينة تنتشر بشكل فيروسي، وتحقق عدد مُشاركات مرتفع، لتتناقلها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
القصة ترجع لشاب ثلاثيني، يعمل كمدير تنفيذي لإحدى شركات للدعاية والإعلان، والمُختصة بمجال التسويق الرقمي، عندما قرر الخروج عن المألوف، والترفية عن فريق عمل شركته الناشئة بأسلوب جديد ومُبتكر، وفي نفس الوقت تسويقي بامتياز.
حيث أصدر قرارًا كتبه بنفسه بطريقة مرحة، يُقر فيه بمنحه الموظفة المذكورة إجازة مدفوعة الأجر، لمدة يوم بمناسبة عيد ميلادها، مع إهدائِها مبلغ مالي بسيط يقدر بـ 100 جنيه مصري للاحتفال.
ويبدأ الخطاب بـ عنوان “جواب فصل يوم” موجه للأستاذة المحترمة.
وكان نصه كالآتي:
“نظرًأ لما قدمتيه مؤخرًا من أداء وظيفي ممتاز، ونظرًا لقدوم يوم مهم جدًا بالنسبة لنا كشركة للدعاية والإعلان. الآن هو إعلان عيد ميلادكِ”
تقرر الآتي:
1- منحك يوم إجازة بتاريخ 3 ديسمبر 2017 مدفوع كفصل من ضغوط العمل عشان تدلعي نفسكِ ونفسيتكِ وتحتفلي.
2- تقديم الشكر لولي أمركِ على حسن تربيتهم، وحرصهم على إنشاء شخص ملتزم وجاد في عمله.
3- منحكِ هدية بسيطة عبارة عن مبلغ رمزي بسيط مرفق بالخطاب عشان تتدلعي صح.
إلى السيد/ة ولي أمر الأستاذة شيماء نرجو أن تتقبل منا خالص الشكر على ما قدمته لنا من التزام وجد في العمل ممثل في ابنتكم، وكما يحق لنا أن نفتخر بها وأردنا أن نشاركك هذا الفخر.
يتم تنفيذ ما ذكر بالأعلى في ساعته وتاريخه؛ وذلك حرصًا منّا على مصلحتكِ ودلع نفسيتكِ شاكرين لكم حسن تعاونكم معنا.
المدير التنفيذي
وقد سبق أن قامت نفس الشركة باللجوء لأسلوب ظريف ومرح للترفية عن موظفيها، عبر إرسالها خطابات استدعاء أولياء الأمور لذويهم، وذلك على الطريقة المُتبعة في المدارس لغرض غير مُتوقع. هو إقامة حفل غداء بطريقة مُبتكرة وغير تقليدية لدعوة أهالي الموظفين.
وكان نص الخطاب كالتالي:
السيد المحترم ولي أمر الموظف … السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تدعوكم إدارة شركة …، وترجو منكم سرعة الحضور للمكتب الموافق الثلاثاء 14 نوفمبر 2017 في تمام الساعة الرابعة عصرًا لحضور Dish Party
للتشاور معنا في أمور تخص الموظف المذكور أعلاه؛ حرصًا منا على مصلحته ودلع نفسيته.
شاكرين لكم حسن تعاونكم معنا.
المدير التنفيذي
ولم تكتفِ تلك الشركة بهذا القدر، بل سعت مع قدوم العام الجديد لتقدم أحدث تقاليعها التسويقية. تحت عنوان: “بيجاما داي” يتم فيه تخصيص يوم أسبوعي للعمل، ولكن من المنزل، وبأجر كامل.
وقد كان نص القرار كالتالي:
“السادة المحترمون: شركاء نجاح شركة … للدعاية والإعلان
نظرًا لالتزامكم الملحوظ في العمل، وجهودكم الرائعة لخدمة عملائِنا الكرام، وسعيًا منا كإدارة الشركة للحفاظ على جو الإبداع، والحفاظ على مستواكم النفسي المرتفع دائمًا وأبدًا.
قررنا الآتي:
– بدايةً من يوم الاثنين الموافق 1 يناير 2018، يتم تخصيص يوم الثلاثاء من كل أسبوع، يوم عمل من المنزل لكُل الموظفين.
– احتساب هذا اليوم كيوم عمل رسمي مدفوع لموظفي الشركة كلها.
على أن يتم تقييم مجهودكم وإنتاجيتكم المبنية على هذا القرار يوم 1 فبراير 2018، وتحديد استمرار العمل به من عدمه. آملين أن تكون ثقتنا محل تقدير منكم كما تعودنا”.
وهو الأمر الذي لاقى اهتمامًا كبيرًا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فانتشرت التدوينات المصحوبة بصور الخطابات (خطاب الفصل وخطاب استدعاء ولي أمر، وقرار بيجاما داي) بشكل واسع، حيث جاءت ردود الأفعال لتؤكد بأنّ ما فعلته الشركة يُعد مثالًا رائعًا يجب أن يحتذى به في كافة الشركات، وتضع الموظف في المرتبة الأولى لها.
وفي حقيقة الأمر، أنّ كل ما سبق ما هو إلّا نوع من أنواع التسويق! يُسمى Advocacy Marketing – التسويق بالمؤيدين، والذي يتضمن الحصول على انتباه العملاء المُحتملين/المُرتقبين للعلامة التجارية بطريقة غير مُباشرة بعيدًا عن ما تبذله من جهود في إعلاناتها التقليدية المُباشرة، دون أي جُهد زائد أو تكلفة باهظة.
وذلك عبر تقديم الأشخاص المؤيدين (مستخدمين/عملاء حاليين/موظفين) لتلك العلامة التجارية لترشيح أو توصية بها من جانبهم للأشخاص المُحيطين بهم، ففي العادة يلجأ الآخرون الي الثقة من معارفهم وأقرانهم كأشخاص موثوقين أكثر من ثقتهم في الإعلانات المباشرة للشركة.
هذا ويُعتبر التسويق بالمؤيدين للعلامة التجارية من أقوى وسائل التسويق الشفهي بالحديث الإيجابي، أو التسويق بالمديح، أو التسويق بكلمات الثقة، والذي ينتج عن الحديث الإيجابي لأشخاص ذو صلة وثيقة (مستخدمين/عملاء حاليين/موظفين) بالعلامة التجارية أو الشركة أو المنتج سواءٌ كان سلعةً أو خدمةً، وبذلك يجذبون زبائن وعملاء جُدد.
وهكذا نجحت الشركة في تحقيق تأثير جيد على شهرة وسمعة الشركة، وتسويق نفسها بشكل حرفي، وبتكلفة زهيدة جدًا، فنجد أنّ الجهود التسويقية المبذولة من قبل الشركة كانت تسعى لإقناع الموظفين داخل الشركة بأهميتهم في تحقيق أهدافها العامة.
من خلال تدعيم دافعيتهم، والحرص على إقامة علاقات طيبة معهم؛ بغرض تحسين أدائِهم وسلوكياتهم، بالنظر إليهم كعُملاء لكن من داخل الشركة، فكما تعلم أنّ أي شركة لن تستطيع تقديم خدمة جيدة ما لم يكن لديها الموظفون القادرون على ذلك.
ولا أخفي عليك عزيزي القارئ، أنّ هذا كله يندرج أيضًا تحت ما يُعرف بـ Inbound Marketing أو التسويق الداخلي، والذي فيه يتم استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في تنميـة ثقة العملاء في شركة ما، وتعزيز الربح طويل الأجل، عن طريق الحفاظ على العملاء الحاليين، وكسب المزيد من العملاء المُرتقبين.
وفي النهاية، يبدو أنّ شخصية المُدير الحازمة، والوجه العابس، والمزاج المُتعكر، قد أصبحت من غبار الماضي، بعدما انتشرت الشركات الناشئة، وأصبح مدراؤها من الشباب صغير السن المُتفهم، بشكل مُخالف تمامًا للصورة التقليدية التي كان عليها المُدير في السابق.
المصدر: Arageek.com